موقع دروس الباكالوريا الرسمي
Doross Official Website

تعريف المسرح و المسرحية




تعريف المسرح و المسرحية

المسرح شكل من اشكال الفنون يؤدى امام المشاهدين ، يشمل كل أنواع التسلية من السيرك إلى المسرحيات ، و هناك تعريف تقليدي للمسرح هو أنه شكل من أشكال الفن يترجم فيه الممثلون نصا مكتوبا إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح . يقوم الممثلون عادة بمساعدة المخرج على ترجمة شخصيات و مواقف النص التي ابتدعها المؤلف.
عادة ما يكون الحدث المسرحي الناجح عملا مشوقا لكل من المشاهد و الممثل و الفنان ، بغض النظر عن مكان عرضها: مسرحا محترفا أو مسرحا مدرسيا أو مجرد مساحة أقيمت مؤقتا لهذا الغرض ، و تندرج العروض من التسلية الخفيفة مثل العروض الموسيقية و الكوميديا ، إلىتلك التي تبحث في مواضيع سياسية و فلسفية جادة.
وليس المسرح كالمسرحية بالرغم من أن الكلمتين تستخدمان عادة و كأنهما تحملان المعنى نفسه ، ذلك لأن المسرحية تشير إلى الجانب الأدبي من العرض ، أي النص ذاته . و علاقة المسرح بالمسرحية علاقة العام بالخاص ، أو بمعنى آخر : المسرح شكل فني عام ، أحد موضوعاته أو عناصره النص الأدبي ( المسرحية) . و يعتقد بعض النقاد أن النص لا يصبح مسرحية إلا بعد تقديمه على خشبة المسرح و أمام الجمهور . و يقول آخرون : إن النص ليس سوى مخطط يستخدمه المخرج و الفنانون الآخرون كأساس للعرض.
و العرض المسرحي من أكثر الفنون تعقيدا لأنه يتطلب العديد من الفنانين لأدائه و من بين هؤلاء المتخصصين : المؤلف و الممثلون و المخرج و مصممو الديكور و الأزياء و الإضاءة و مختلف أنواع الفنانين . كما يتطلب بعض العروض الأخرى مصممي رقصات و موسيقيين و ملحنين . و يسمى المسرح أحيانا الفن المختلط لأنه يجمع بين النص و الجو الذي يبتكره مصممو الديكور و الإلقاء و الحركات التي يقوم بها الممثلون .
كان الكاتب المسرحي في عهد المسرح الأول يقوم بجميع الأعمال الفنية مثل كتابة النص و التمثيل و الإخراج ، و بالتدريج أصبح هناك مختصون ، و برزت فنون المسرح العديدة ، و اكتسب كل من الممثل و كاتب النص شهرة في البداية بسبب أت الواحد منهما يعتمد على الآخر في إخراج فنهما إلى حيز الوجود.
و في المسرح الحديث اعتاد المخرج على مواءمة جميع خصائص العرض من تصميم الديكور إلى تصميم الأزياء و الإضاءة و المؤثرات الصوتية و الموسيقية و الرقص ،و ربما كان أهم عمل للمخرج هو قيادة الممثلين في عملية ابداعهم ، و مساعدتهم على أداء أدوارهم

 


 

عوامل و أسباب ظهور المسرح في العالم العربي

إذا كنا قد وجدنا للقصة في أدبنا الشعبي صورا مختلفة فإن المسرحية لم يكن لها عندنا أصول لسبب بسيط ، هو أنه لو يوجد عندنا مسرح قديم حتى قدوم و وصول الحملة الفرنسية بلادنا التي نقلت لنا نمادج من المسرح الفرنسي لكننا لم نتأثر به في حياتنا الأدبية لأنه كان باللغة الفرنسية . إنما يأتي هذا التأثر بعدما نشأت فيما بيننا و بين الغرب العلاقات الأدبية ، و هي لم تنشأ إلا منذ أواسط القرن التاسع عشر ، بل بعدما مضى شطر غير قليل من النصف الثاني حين اعتلى أريكة مصر إسماعيل ، فقد أخدنا نتأثر بالحضارة الغربية و نمعن في هذا التأثر ، فأنشئت دار الأوبرا و مثلث فيها روايات غنائية إيطالية . و في هذا التاريخ أنشأ يعقوب صنوع مسرحا بالقاهرة مثل عليه كثيرا من المسرحيات المترجمة و التي ألفها، و قد أطلق عليه المصريون اسم موليير مصر لبراعته في التمثيل الهزلي و ما يقترن به من نقد اجتماعي . و لم يكن يمثل باللغة العربية الفصحى ، إنما كان يمثل بالعامية الدارجة ، فمسرحه و تمثيلياته يخرجان عن دائرة أدبنا العربي الحديث.
ولم تلبث الفرق التمثيلية السورية و اللبنانية أن وفدت على مصر و أنشأت لها مسارح في الإسكندرية ثم القاهرة . و كانت هذه الفرق تمثل روايات فرنسية مترجمة ، بحيث تلاءم النظارة ، و بعبارة أدق ممصرة حتى يتذوقها الجمهور و يجد فيها متاعه . و التمصير يقل و يكثر حسب من يقوم به ، فتستبدل الأسماء بأسماء مصرية ، وقد تستبدل الحوادث نفسها ، ولا مانع أحيانا من استخدام الأسلوب المنمق بالسجع و الشعر.
وكأنما كانت الجهود موجهة أولا لهذه الحركة من التمصير ، حتى يستطيع هذا ا لنبات الغريب أن يعيش في البيئة الجديدة . و لذلك كان التمصير في المسرحية أوسع جدا من التمصير في القصة، حتى لتنقطع العلاقة أحيانا بينها و بين الأصل . وأسرف الممصرون في وضع الأشعار التي تغنى في المسرحيات ، حتى يرضوا ذوق الجمهور الذي كان يعجب بالغناء و أناشيد الذكر و الذي تعود الاستماع إلى الأوبراالإيطالية . ومن هنا كان مسرحنا في القرن الماضي وشطر كبير من هذا القرن مزيجا من التمثيل و الغناء ، و كان أصحاب هذا المسرح ينقلون غالبا عن المسرح الفرنسي الكلاسيكي عن راسين و كورني و موليير، و مرجع ذلك إلى السوريين و اللبنانيين الذين تمصروا و قاموا بيننا بالتمثيل مثل سليم النقاش وأبي خليل القباني و إسكندر فرح لأن ثقافتهم غالبا كانت فرنسية و كذلك بداية إقبال المصريين أنفسهم على هذه الثقافة منذ أوائل القرن الماضي.
و لم تمضي مدة طويلة حتى أخد المصريون يشاركون في هذا الفن الجديد ، فاشتركوا أولا مع الفرق السورية و اللبنانية ، ثم استقبلوا و أنشئوا فرقا مختلفة مثل عبد الله عكاشة و فرقة الشيخ سلامة حجازي المطرب المشهور ، و قد وطد بقوة المسرح الغنائي ، و مثل فرقة عزيز عيد وقد عنى بالتمثيل الهزلي . ولا نتقدم طويلا في هذا القرن العشرين حتى يعود جورج أبيض من باريس سنة 1910 بعد دراسته لفن التمثيل دراسة متقنة ، وسرعان ما ألف فرقة مسرحية في سنة 1912 و أخد يمثل على قواعد درامية سليمة . وفي نفس السنة كون بعض الهواة جمعية أنصار التمثيل لغرض إرسائه على أصوله الفنية الصحيحة و كان ممن انضم إلى هذه الجمعية عبد الرحمن رشدي و محمد تيمور .
وينضم الشيخ سلامة حجازي إلى جورج أبيض و يؤلفان فرقة في سنة 1914 ظلت سنتين متواليتين . ونمضي اثناء الحرب الأولى فيؤلف عبد الرحمن رشدي فرقة مسرحية و إن لم تظل طويلا ، و يظهر نجيب الريحاني باستعراضاته الغنائية و الهزلية و يبتكر شخصية كشكش بك عمدة كفر البلاص و كون مع عزيز عيد فرقة تعنى بالمغناة القصيرة الأوبريت.
و كانت هذه الفرق جميعا تعتمد على ما يترجم و يمصر لها من تمثيليات و مغنيات غربية ، و أخد بعض الهواة و الممثلين يؤلفون مسرحيات عربية استمد فيها من قصص ألف ليلة و ليلة و ألوانها الخيالية و من التاريخ العربي الإسلامي و صوره القومية ، ومن الحب و العواطف الوجدانية مصورين مجتمعهم و ما فيه من دعوات إصلاحية و حركات وطنية و اكثر هذه الأعمال كان ضعيفا ، و لذلك لم يدخل في تراثنا الأدبي.
عل أنه ينبغي أن نقف قليلا عند ثلاثة ، حذقوا – بفضل ثقافتهم الغربية – فن التأليف المسرحي ، و هم فرح أنطون و إبراهيم رمزي و محمد تيمور . وقد الف أولهم في سنة 1913 مسرحية مصر الجديدة و مصر القديمة و هي مسرحية اجتماعية صور فيها عيوب مجتمعنا العربي حينئد و ما تسرب إليه من مساوئ الحضارة الغربية و مفاسدها.
و هي ضعيفة في بنائها المسرحي ، غير أنه أتبعها في سنة 1914 بمسرحية تاريخية ، هي مسرحية السلطان صلاح الدين و مملكة أورشليم و هي قوية في تصميمها المسرحي و في رسم شخوصها و تدفق الحوار و حيويته ، و قد صور فيها الصراع الحاد بين الشرق الشجاع المسلم و الغرب المستعمر الماكر ، ناثرا خلال ذلك آراءه الاجتماعية و الوطنية . أما إبراهيم رمزي فبدأ مند سنة 1892 يحاول صنع المسرحيات ، غير أنه لم ينضج إلا بعد عودته من البعثة إلى إنجلترا و توفره على دراسة هذا الفن و نقل بعض درره الأوربية . و ربما كانت مسرحية أبطال المنصورة التي كتبها في سنة 1910 خير مسرحياته جميعا ، و هي مسرحية تاريخية عرض فيها صورة حية من البطولة المصرية في أثناء الحروب الصليبية عرضا تمثيليا رائعا. و نمضي فنلتقي ب محمد تيمور الذي توفي شابا في سنة 1921 و كان قد سافر بعد تخرجه من الحقوق إلى فرنسا فعكف على دراسة التمثيل ، و عاد يحاول النهوض به ، فكان يكتب فيه و ينقد و يمثل وما لبث أن ألف أربع مسرحيات هي مسرحية : العصفور في قفص و عبد الستار أفندي و الهاوية و العشرة الطبية و هي وحدها التي اقتبسها عن مسرحية فرنسية ، غير أنه مصرها وجعل حوادثها تجري في عصر المماليك ، و نقد فيها بعنف تصرفات الطبقة التركية. و قد راعى في مسرحياته أصول الفن التمثيلي مراعاة دقيقة ، غير أنه كتبها بالعامية.
و تضع الحرب العالمية الأولى في هذا القرن أوزارها ، و ينشط التمثيل الهزلي و الغنائي ، و يعود يوسف وهبي من إيطاليا، و ينشئ فرقة استعراضية و يقنعه عزيز عيد و زكي طليمات بأنشاء فرقة للدراما الرفيعة ، و تنشأ فرقة رمسيس و تنشط بجانها فرقة جورج أبيض ، و يأخد كثيرا من الكتاب في تأليف المسرحيات الإجتماعية ، و يشهر أنطون يزبك بمسرحياته العنيفة مثل عاصفة في البيت و مسرحية الذبائح و يتخصص يوسف وهبي بتمثيل هذا النوع بينما ينشط نجيب الريحاني و علي الكسار في التمثيل الهزلي. على أننا لانصل إلى سنة 1928 حتى يصيب كل هذه الفرق ركود قليل ، و تنشأ الدولة في سنة 1934 الفرقة القومية ، كما تنشأ المعهد العالي للتمثيل ، غير أن الركود يظل جاثما على مسارحنا بسبب ظهور السينما . إلا ما كان من مسرح نجيب الريحاني ، و تحاول ثورتهمالمجيدة النهوض بالمسرح ، فيعود ثانية إلى النشاط و بذلك ترد إليه قواه.
و إذا تركنا المسرح إلى التأليف المسرحي وجدناه ينهض نهضة رائعة منذ العقد الرابع من هذا القرن إذ ظهر توفيق الحكيم فوثب به وثبة لم يكن يحلم بها كل من سبقوه ، فقد أرسى قواعده في النثر ، كما أرسى هذه القواعد شوقي في الشعر ، ، يسعفه في ذلك ثقافة إنسانية واسعة و ثقافة مسرحية دقيقة ، و تتزاوج الثقافتان مع روحه المصرية العربية ، فإذن لمصر كاتب مسرحي من نوع إنساني بديع.
وتلقى مسرحياته رواجا واسعا لما تحتفظ به من أصول الفن المسرحي و ما تحتوي من عناصره و مقوماته فهي أعمال مسرحية تامة ، لا يقلد فيها توفيق كاتبا غربيا بعينه ، بل يستمد من مواهبه و من ىبيئته و روحه المصرية العربية . وحقا أنه يغلب على شخوصه التفكير الفلسفي و التجريدي ، و لكن هذا مذهبه ، و هو يدل دلالة واضحة على رقي حياتنا العقلية ، فقد أصبح لكتابنا أو لبعضهم على الأقل فلسفة تستهوي العقول و القلوب .و تعتمد فلسفة توفيق على الإيمان بقصور العقل و الإتحاه نحو الروحيات التي تجري في حياة الشرقيين و أعماق نفوسهم .
و أخد هذا المجال المسرحي يجذب إليه كثيرين من الجيل الجامعي و غيره ، و من أهم من جذبهم إليه محمود تيمور ، و كان يكتب مسرحياته أولا بالعامية كأخيه محمد ، ثم نقل من العامية إلى الفصحى بعض مسرحياته و أنشأ أخرى على اللسان الفصيح من أول الأمر ، و هو في أكثر مسرحياته مثل قصصه يعنى بالجوانب الإجتماعية في بيئته ، و يمد هذه البيئة فتشمل الريف و حياة الفلاحين . و قد يستمد في مسرحياته من التاريخ العربي. و هو دائما يمسح على علمه بتحليلات نفسية يصور فيها الطبيعة الإنساتية ، و من هنا كان صراع مسرحياته غالبا يدور بين العقل و الغريزة الباطنية .
و بجانب تيمور وتوفيق الحكيم تصنع محاولات كثيرة في هذا الفن المصري الحديث ، و كثيرا منها يستحق الثناء لما يبذله فيه أصحابه من إبداع و مهارة . و على هذا النحو استطاعت مصر أن تحققق لنفسها نهظة أدبية رائعة ، فإنها رفعت كل الحواجز التي كانت تفصل بينها و بين الآداب الكبرى في العالم ، فأصبح لها لاأدب كبير فيه المقالة و القصة و المسرحية و الشعر التمثيلي واصبح كثير من هذا الأداب يترجم إلى سائر اللغات .
كان المسرح و ما يزال هو النقطة التي يبدأ منها ، عادة انطلاق الشرارة نحو الثقافة و التطور و المساعدة في تطوير المجتمعات ، و الوصول إلى حال أفضل . و على مر الأزمان خضع للتحوير و التشكيل سواء كان ذلك في شكل خشبته ، أم في شكل العروض التي تمثل داخله ، بل إن دور التمثيل نفسها كانت موضعا للتغيير و التبديل ، فقدم الأدب المسرحي في الميادين و خارج المعابد ، و داخل الكنائس ، ومر بمراحل كثيرة حتى أقيمت له دور التمثيل الحالية . نشأت الدراما أي المسرحية من الاحتفالات و الأعياد الديونيزية و من الطقوس و الرقصات و الأناشيد التي كانت تنشد ، و من المواكب التي كان يقيمها اليونانيون القدامى ، و كان المكان المعد لتلك الحفلات يسمى مسرحا.
المسرحية أو الدراما العالمية الحالية ، و هذا المسرح الجماعي الذي نعيش فيه من الرقص البدائي إلى التمثيلية الحديثة التي تشبه العرض الصحفي ، و من الطقوس الدينية إلى التمثيل الدنيوي ، و من المأساة الحديثة التي تشبه العرض الصحفي ، و من الطقوس الدينية إلى اتمثيل الدنيوي ، و من المأساة اليونانية إلى خطافات الصور المتحركة ، كل ذلك في مظاهره المربكة المحيرة يسجل لنا تعريفات عن المسرح و عن المسرحية أو الدراما ، و إذا استطاع أحدنا أن ينشر صورة للمسارح المختلفة التي تمثل فوقها الحياة ، لأدرك من فوره أنه لا يمكن أن يهتدي إلى التعريف الجامع المانع ، الذي يتسع للتعبير بالكلام عن عناصر الفن و طرزه ، و أحواله و عن مظاهر الحياة المسرحية و التمثيلية و اتجاهاتها. إن الفن المسرحي هو الفن الذي تلتقي عنده جميع الفنون ، إذ ليس بين الفنون فن كفن المسرح استطاع أن يصل موهبة الخلق الفني الغامضة بموهبة التلقي و الاستقبال .
المسرح ليس مجرد و سيلة تلرفيهية ، و إنما يتخطى دوره ذلك ففي فترات عظيمة جاهد كتابه و ممثلوه و مخرجوه في اكتشاف نواحي الجمال فيه ، ففن المسرح يعتمد في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام ، و على قدرة الإنسان على الاستكشاف و التعجب و التأمل . كان المسرح عند الإريق مظهرا دينيا ، و عند الرومان ما يشبه المتعة الرخيصة التي يتكفل بها الرقيق من أجل الترفيه عن مالكيهم ، و كان للكنيسة في عهدها الأول شرا ينبغي استئصاله ، غير أن الكنيسة عادت بعدها بعدة قرون تحتضن مسرحيات الأسرار و المعجزات ، كما بات جمهور اليوم يسترجع الأعمال الجيدة للمسرحي اليوناني " سوفوكليس " و الإنجليزي ، بتقديس ويظن النقاد أن هؤلاء الكتاب ليسوا بشرا عاديين ."وليم شكسبير" و االسويدي August Strindberg
إن المسرح بسبب إسهامه في تلبية احتياجات الإنسان الجمالية و الذهنية ، و بسبب نوع الجمهور الذي يرتاده ، و بسبب الرابطة الوثيقة التي تربط جمهوره بممثليه ، ثن بسبب مختلف القيم الأخرى ، لكل هذه الأسباب يبدو مقدرا له أن يعيش بضعة آلاف أخرى من السنين و حتى لو كتب للمسرح المختلف أن يحقق تنبؤا ت المتشائمين القديمة ، ويحل به الموت فسوف يبقى المسرح التربوي حقلا طبيعيا للتدريب و نقطة انطلاق للطالب في أيفرع من فروع الفنون المسرحية ، إذ أن المسرح الحي هو الجذر الذي تولدت عنه بقية الفروع الأخرى.

 


 

خصائص و مميزات المسرح في العالم العربي

يتميز المسرح بغض النظر عن أشكاله و أنواعه باعتباره جنسا أدبيا بمجموعة من المميزات و الخصائص :
أولا القصة أو الأحداث : تنبني المسرحية على أفكار تطرح قظايا فكرية ، دينية ، تاريخية و اجتماعية ، و تعتمد المسرحية كغيرها من الفنون القصصية على أحداث تعرض من خلالها ما يجري بين الشخصيات و الحوار الذي يدور بينهما التي تجعل المسرح جنسا من جنس الفنون السردية .
ثانيا الشخصيات أو القوى الفاعلة : إن طبيعة المسرحية تجعل منها العمل الأدبي الوحيد الذي يتطلب تعدد الشخصيات ، و كل شخصية تحتفظ بوجودها المستقل من حيث أفكارها و مواقفها و ميولها و طموحها ، لكن هذا لا يتحقق إلا بتفاعلها مع سائر الشخوص حيث ينشأ صراع بينهما .
ثالثا الصراع : يميز هذا العنصر فن المسرحية عن باقي الفنون الأدبية ، و ينتج عن تضارب الرغبات و الغايات و المواقف ، حيث تتصارع قوى اجتماعية أو فكرية أو سياسية .... و نميز داخل هذا الصراع بين نمطين هما :
الصراع الخارجي : و يجري بين البطل و قوى خارج عن ذاته ، قد تكون غيبية كالقدر أو قوانين الطبيعة .
الصراع الداخلي : و يجري بين البطل مع نفسه كالصراع بين الحب و الواجب ، و الخير ، و الشر ، وينتظر من المسرحية دائما تقديم حوار يجعلها تمثل الأشخاص في أزماتها و صراعها كما يقع في الحياة و غالبا ما يمثل الصراع عقدة المسرحية .
رابعا الحوار: و يتشكل منه نسيج المسرحية و تتنامى بفضله الأحداث لتبلغ منتهاها . ذلك أن المسرحية تعتمد في عرض أحداثها و شخوصها على الحوار بخلاف باقي الفنون القصصية ، حيث يخصص حيز كبير لسارد يروي الأحداث و يعرفنا بالشخوص . و الحوار في المسرحية مهيأ ليقال و يشخص لذلك ينبغي على المؤلف أن يتفحص مضمون الكلام و أبعاد الشخصيات التي ستتلفظ به ثم آثار الكلام في الشخصيات الموجه إليها و أن تصوغ الكلام صياغة تتلاءم مع المواقف من حيث الطول و القصر . وتجدر الإشارة إلى أن لحظات الصمت التي تتخلل الحوار لا تكون اعتباطية و إنما تعتبر من الحوار الذي يستغنى به عن الكثير من الكلام .
خامسا الزمان و المكان : يشكلان في المسرحية كما في غيرها من الفنون القصصية الإطار الذي تجري فيه الأحداث ، و يحدد هذا الإطار في بداية كل فصل إذا كانت الأحداث تجري في أكثر من إطار زمكاني. وتقدم المسرحية فوق خشبة تحتاج إلى ديكور و إضاءة ، إضافة إلى مناظر أو مشاهد تنتهي بخروج شخصية و دخول أخرى ، و أما لغة المسرحية فهي إما شعرا أو نثرا.
سادسا الحركة : المسرحية لا تأخد وضعها الحقيقي إلا حين تمثل على خشبة المسرح حيث يشاهد المتفرج الحركة بعينه و يحس بالعواطف التي توجهها حتى يصبح كأحد الممثلين .
سابعا الفكرة أو الموضوع : ونقصد بها المضمون الفكري الذي تعالجه المسرحية ، حيث يمكن أن تعالج قضايا متنوعة و مختلفة سواء كانت قضايا اجتماعية ترتبط بالواقع الاجتماعي و ينتقد قضاياه كتحرير المرأة مثلا ، أو قضايا سياسية ، دينية ... و غيرها من القضايا الأخرى التي تحاول من خلالها المسرحية إبرازها و تقديمها للمجتمع .
ثامنا الفصول : تنبني المسرحية على نظام الفصول حيث تتراوح أعدادها بين ثلاث و خمس فصول و يتحدد الفصل بنهاية مرحلة محددة في مسرحية محددة و يرمز في الخشبة على بدايته بإصدار الستار .

 


 


منهجية تحليل النص المسرحي

النص المسرحي:
جاء في مسرحية (جسر إلى الأبد ) لغسان كنفاني ما يلي :
رجاء : (تصيح) افتح يا فارس ... افتح ... افتح.
فارس: (من بعيد) رجاء؟ أتيت مبكرة اليوم هل من جديد ؟
رجاء: (مثارة) افتح ...افتح...عجل افتح.
فارس: لحظة واحدة ، لحظة واحدة ، سأصل الآن ، لحظة واحدة فقط .
(صوت أقدامه – ثم مزلاج الباب يفتح)
رجاء: (شبه باكية) آه يا فارس .أيها العزيز المسكين . أنت لم تقتل أمك . لم تقتلها . لم تقتلها.
فارس: (مذهولا)لم أقتلها؟
رجاء: (تصيح) أجل . لم تقتلها يا فارس ...لم تقتلها.
فارس: (كمن فقد رشده) تعنين أنها ليست ميتة؟
رجاء: لا.لا. (تتردد)أعني.نعم. إنها ميتة طبعا . ولكنك لم تقتلها .
فارس: (منهارا) كيف؟ أيتها الحمقاء الصغيرة ؟كيف؟كيف؟
رجاء: (تلهث)لقد ماتت بعد نصف ساعة فقط من مغادرتك البيت ...(تصمت هنيهة ) أنت قلت أنك غادرت البيت يوم الثلاثاء في الساعة الثامنة صباحا . التقرير الطبي يقول إنها ماتت في الساعة الثامنة و النصف من نفس الصباح.
فارس: هذا...هذا لا يغير شيئا.
رجاء: كيف؟كيف؟ لا يغير شيئا أيها الأحمق ...كيف؟
فارس: ماذا يغير ؟
رجاء: لقد ماتت قبل أن تغادر المدينة أنت...كان من الممكن أن يحدث ذلك و أنت هنا . ماتت دون أن تعرف أنك غادرت المدينة . كانت تشتري طعاما للغذاء و كانت على وشك العودة إلى البيت حين داهمها الموت في الطريق :أصيبت بالسكتة القلبية فجأة ...و كنت أنت ما زلت في المطار . أنت لم تقتلها أيها المسكين الضائع ... لم تقتلعا.
فارس: متأكدة ؟
رجاء: قرأت التقرير مرات و مرات بعيني هاتين و يبقى أن تذهب بنفسك أنت لتتأكد من كل شيء(تتنهد) يا إلهي ...ألست سعيدا؟
فارس: (مترددا) لست أدري ...لست أدري...إن صدري يموج كأنه بحر ، أمسكي يدي يا رجاء إنها باردة كالثلج لست أدري....لا أستطيع أن أتعرف على مشاعري.
رجاء: (مثارة) ضع ذلك في رأسك يا فارس ... أنت لم تقتلها... أنا لا افهم مسؤولية الإبن...
ولكن يجب أن تبدل جهدا لتصدق نفسك ... أنت لم تقتلها ... قل ذلك لنفسك.
فارس: (دون شعور ) أنا لم أقتلها .
رجاء: قل ذلك مرة أخرى
فارس: أنا أقتل أمي ... أنا لم أقتل أمي .
رجاء: ذلك سيجعل الأمور أفضل بكثير...
فارس: (شاردا) لم اقتلها ...يا إلهي .(يصيح فجأة) إن ذلك يغير كل شيء.
رجاء: (بسعادة) يغير كل شيء ... كل شيء ... لقد انتصرنا يا فارس انتصرنا.
فارس : أنا لا أستحق العقاب القاسي إذن ...
رجاء: لا.لا.لا تستحقه ... الليلة إذا ما أتى الشبح سأبصق في وجهه و سوف أقول له كاذب...كاذب...
مصدر التص:
غسان كنفاني الآثار الكاملة – المسرحيات – المجلد 3 – مؤسسة الأبحاث- مؤسسة غسان كنفاني الثقافية ، ص : 266 و ص : 270.

المسرح فن من الفنون الجميلة و يعده البعض أب الفنون لقدرته على توظيف كل الأشكال التعبيرية المعروفة ، من رقص و موسيقى و شعر ورسم ... و يعد المسرح في عالمنا العربي فنا دخيلا ، و قد ظهر فن المسرح داخل حركية تطور أشكال الكتابة النثرية التي تحكمت فيها سياقات التحول الاجتماعي الذي شهدته المجتمعات العربية و الذي واكبه ظهور فن المقالة و القصة على أن المسرح جنس أدبي متميز تحدده مكونات أساسية هي: (الحدث-الحوار-الصراع الدرامي ...) و إذا كان كذلك فما هي الموصفات التي تميز الخطاب المسرحي؟ و ما خصوصية الكتابة عند غسان كنفاني؟
إن تحليلنا للمسرحية يبدأ بعنباتها الأولى التي هي العنوان المنقسم إلى مصطلحين اثنين ، فالمصطلح الأول :
جسر مفرد جسور و هو يطلق على اسم مكان و يطلق على العلاقات و الروابط الوثيقة ، حيث نقول ربط فلان مع فلان جسور التواصل ، و في هذا النص ترمزإلى مدى تعلق فارس الإبن الفلسطيني بأمه ، و أما المصطلح الثاني فيتعلق ب إلى الأبد و تعني حسب النص رحيل فارس و مغادرة أمه الأرض (فلسطين) و ما خلفه رحيله عنها في نفسيتها من كآبة و حزن شديد .
و لقد جاءنا النص عبارة عن خطاب مسرحي يبرز من خلاله الكاتب العذاب و المعاناة التي يعاني منها البطل و هو شخصية فارس باعتقاده الخاطئ أن غيابه عن أمه تسبب في موتها ، لكن رجاء اكتشفت من خلال اضطلاعها على التقرير الطبي أن أم فارس توفيت فجأة بسكتة قلبية قبل أن يغادر ابنها المدينة ، و اكتشافها هذا خلص فارس من عقاب تأتيب الضمير الذي أصبح يهدد و جوده .
أما المؤشر الثاني في بناء فرضية النص فيرتبط بشكله إذ نراه عبارة عن متوالية حوارية يهيمن فيها الحوار على السرد على عكس القصة التي نجد فيها هيمنة السرد على الحوار كما هو في قصة شغلانة ليوسف إدريس . و على الأساس أمكن تقسيم النص إلى مجموعة من الأحداث ، فالحدث الأول يتعلق بالإعتقاد الخاطئ الذي عذب شخصية فارس معنبرا غيابه عن أمه كان سببا مباشرا في موتها مما جعله يعيش حالة من الياس و الحزن و أصبحت حياته بمتابة جحيم ، و أما الحدث الثاني فيتعلق الأمر باكتشاف رجاء المفاجئ على ان أم فارس ماتت فجأة بسكتة قلبية قبل أيرحل عنها ابنها و يغادر البيت و ذلك من خلال اضطلاعها على التقرير الطبي و التي أمرت فارس أيضا بالذهاب للتحقق و التأكد من صحة الخبر ، و قد كان اكتشافها هذا بمتابة وسيلة و طريقة لتخلص فارس من العقاب النفسي القاسي الذي أصبح يشكل خطرا على حياته و مستقبله.
ومن خلال كل ما سلف نرى أن النص يغلب عليه البعد النفسي ما دام يتناول الأحاسيس الداخلية للبطل ، فالمسرحية قادرة على أن تكشف لنا أحوال النفس البشرية كما أن الخطاب المسرحي مرآة ناقلة لنبض المجتمع كما رأينا ذلك عند عبد الكريم برشيد و قادر أيضا على الانفتاح على قضايا سياسية كما نجد عند سعد الله و نوس.
و بانتقالنا إلى خصائص الخطاب المسرحي نجد من بين أهم المميزات التي تميزه عن باقي سائر الفنون الأخرى كالقصة و المقالة هو وجود الصراع الدرامي حيث ساهمت العديد من الإشارات المسرحية الآتية في تجسيد الملامح النفسية لهذا الصراع و تتمثل في شخصية : فارس : (مذهولا – منهارا – مترددا – شاردا ...) زائد (كمن فقد رشده) .
وسيفيق من حالة الشرود حين يصيح فجأة بعد أن استوعب الموقف ، و أما شخصية رجاء فتتجسد ملامحها النفسية التي أدت إلى وجود صراع درامي قوي و ذلك من خلال تواثر مجموعة من المؤشرات الدالة على ذلك و من أهمها : (تصيح- شبه باكية – تلهث- تتنهد – بسعادة...).
وتعكس هذه المؤشرات كلها على حالة الانفعال و التوتر النفسي الشديد التي عاشتها رجاء في بداية الخطاب المسرحي و هي تحاول إقناع فارس ببراءته من دم أمه . لكن في النهاية تتحول حالة الانفعال و المعاناة إلى سعادة كبيرة نتيجة نجاحها في مهمتها و هي كشفها بأن فارس لم يقتل أمه و أنه بريء من دمها.
و أما الخاصية الثانية المميزة للخطاب المسرحي فتتمثل في هيمنة الحوار و بموجب ذلك نعتقد أن المسرحية هي عبارة عن متوالية حوارية عكس القصة التي يهيمن عليها السارد و الذي يبقى دوره محصورا في الخطاب المسرحي على توزيع بعض الأدوار و بعض الجمل الإخراجية و من أمثلة ذلك :
• صوت قرع شديد على باب.
• تصمت هنيهة.
• صوت أقدامه ثم مزلاج الباب يفتح.
و إلى جانب هذا و بمقارنتنا بين حوار فارس و رجاء نجد أن حوارات رجاء طويلة في حين نجد حوارات فارس شبه قصيرة و يمكن إرجاع ذلك إلى انفعالها و توترها الكبير من جراء خوفها و اعتقادها الخاطئ بأن فارس مذنب و كان سببا في وفاة أمه و لذلك فهي تطرح أسئلة كثيرة و هذفها يتمحور حول بحثها على الحقيقة . كما أن الحوار يستطيع أن يكشف لنا على الصراع النفسي الحاد الذي عاشه فارس بسبب شعوره بالذنب و إحساسه أنه يستحق العقاب وهو صراع تكثفه الجملة التالية:
(لست أدري ... إن صدري يموج كأنه بحر ... لا أستطيع أن أتعرف على مشاعري...).صراع حققت حدته أيضا فمحاولات الإقناع على لسان رجاء و ذلك من خلال استثمارها لمجموعة من الأساليب الإنشائية كالإستفهام و هو في النص موجود بكثرة و مثال ذلك : كيف؟كيف؟ - لايغير شيئا أيها الأحمق ...كيف؟ بالإضافة إلى أسلوب النداء و مثال ذلك إفتح يا فارس ...افتح...افتح...و كذلك استعمال أسلوب النفي كقول فارس : لم أقتلها ؟ ومما يميز الخطاب المسرحي أيضا توطيفه الخاص للأمكنة و الفضاءات ففضلا عن مكان العرض الذي هو خشبة المسرح نجد أن هناك أمكنة ترتبط بالأحداث و هو المنزل حيث توجد بعض المؤشرات التي تدل عليه في النص و من بينها :
• افتح يا فارس ... افتح ... افتح.... .
• لقد ماتت بعد نصف ساعة فقط من مغادرتك البيت .
• صوت قرع شديد على باب .
و من كل ذلك يتبين لنا أن البيت هو المكان الخاص الذي تجري فيه الأحداث و الوقائع إضافة إلى ذلك هناك فضاءات أخرى عامة (كالمدينة – المطار – الطريق...) و مع تنوع المكان نجد أيضا تنوعا للزمان فأمكن القول بعد ذلك إن الزمن العام هو الصباح من خلال تواثر مجموعة من الإشارات الدالة على ذلك كقول فارس:
أتيت مبكرة اليوم هل من جديد و قول رجاء أنت قلت أنك غادرت البيت يوم الثلاثاء في الساعة الثامنة و النصف صباحا . و هذا يؤكد لنا أن زمن الصباح هو المهيمن في النص بالإضافة إلى الزمن العام هناك زمن خاص و هو الليل بدليل قول رجاء : لا.لا.لاتستحقه الليلة. و هذا الزمن في النص قليل بالمقارنة مع زمن الصباح ، و أما الزمن النفسي فيتنوع بتنوع الشخصيات . و من أهم ما يميز النص المسرحي هو وجود قوى فاعلة تحرك مجرى الإحداث داخل النص و تخلق لنا حوار يطبعه الصراع الدرامي ، ففي هذا النص نجد أن الكاتب ركز على شخصيتين رئيسيتين هي التي تقوم بتحريك الأحداث و الوقائع في حين يمكن أن نجد في بعض المسرحيات تعدد في الشخصيات أي نجد أكثر من شخصيتين. وبانتقالنا إلى مظاهر اتساق النص نجده أنه يضمن من خلال توظيف الكاتب لمجموعة من الوسائل اللغوية التي وفرت له اتساقه و انسجامه و نذكر الربط بين الجمل و العبارات بواسطة أدوات العطف و هي في النص كثيرة و غيرها و كذلك تزظيفه للجمل الرابطية و مثال ذلك كانت تشتري طعاما للغذاء ، و كانت على وشك العودة إلى البيت.
كما نجد أيضا توظيف و تنويع الضمائر من ضمير ( المتكلم – الغائب – المفرد – المخاطب) . و تكرار بعض العبارات و الألفااظ في النص : ( تصيح – لم أقتلها- البيت – الصباح ....).
وخلاصة القول إن الخطاب المسرحي نوع أدبي حديث يمثل تطوراا للأشكال الأدبية القديمة كالحكاية و المقالة و هو إطار ناقل لنبض المجتمع منفتح على قضايا سياسية و فكرية قادر على أن يكشف أحوال النفس البشرية و هو شكل فني تمكنه طبيعته من الانفتاح على باقي الفنون الأخرى كالموسيقى و التشكيل و الرقص بل و حتى السينما فضلا عن الغبداع اللغوي.

 


 

التعريف بالمنهج النفسي و خصائصه

تعد العلاقة شديدة الاتصال بين الأدب و علم النفس، و حسب الأدب ان يكون واضعه و متلقيه و محرره إنسانا حتى يغري لدراسته.
و يقدم علم النفس المفاتيح السحرية لدراسة الأدب، تجربة وإبداعا و تحليلا. فلقد استخدم المنهج النفسي في دراسة الأدب منذ القديم، و مع أنه بقي غير كاف بخصوص توضيح جميع جوانب الأدب، إلا أنه يبقى مفيدا في الكشف عن غوامض و خبايا العمل و صاحبه بقول الدكتور محمد مندور : أما علاقة الأب بالفرد فتدور حول الحاجات الإنسانية التي يمكن أن يشبعها كفن جميل و كأداة للتعبير عن الفرد ، و اهم مبحث هو تحليل حاسة الجمال عند البشر . و البحث عن أصولها وأهدافها المختلفة و التمييز بين مفارقاتها فهذا الشئ الجميل أو اللطيف أو الجليل.ومن حيث أن الأدب تعبير جمالي نفسي فعلى علم الأدبي أن يقف عند ( نظرية انتقال المشاعر) كأن يحب الشاعر مثلا ديار محبوبته من أجلها"و الشعراء العرب كثيرا ما كانوا يحبون ديار محبوباتهم من هذه النظرة (انتقال المشاعر)و إذا كان من اللازم على الدارس أن ينبش في الكنوز المختبئة في بواطن ، فإن من المفيد له أن يمعن النظر في عملية الإبداع بل و في المبدع نفسه، و القوانين النفسية المتحكمة في شخصيات العمل الأدبي.
وفي دراستنا لعملية الإبداع واليتها يمكن أن تشير إلى نظرية الإلهام عند أفلاطون ، الذي يعتبر أن المقدرة الإبداعية عند الأديب هي
الحماسة أو الحب ويرى أن مصدر هذا الإلهام هم الوحي الإلهي حيث تدفع ربات الشعر موضوعات الشاعر له.وعلى هذا
فإنه يمكن للآهة أن تنزع العقل عن الشعراء ،وتستخدمهم كهانا أو سحرة ملهمين .
وتقوم عملية الإلهام عنده على اذكر الإنسان لما رآه من صور في عالم المثل الذي كانت تحيا فيه النفس ، ومن ثم تقليد هذه الصور في عالم المحسوسان . مما جعل الشاعر يحس بالجزع والحزن الذي يعقله شعور بالحماسة يدفع الشعر على شكل أغاني .
وأكثر الشعراء مدينون بأشعارهم الجميلة للحماسة ولنوع من الغيبوبة لا للفن ، وهم يشبهون على حد قول أفلاطون :'كهانا اللآلهة سيبلي الذين لا يرقصون إلا إذا خرجوا عن شعورهم ،وهذه الحالة تشبه حالة الوجد و الشرف عند بعض فرق الصوفية في بلادنا ،
والتي ترقص إذا هي اتحدت بالغيب وتجاوزت الوجود ،وقد اتبع المذهب الرومانسي طريق أفلاطون وترسموا خطه وصبغوه بلون من التصوف ،فعن فيكتور هيجو الشاعر ساحر يسمع ويردد ما يتلقاه من عالم الغيب ، بينما يرى شيلي الشاعر ينقل للناس رسالة من الله .
لقد كانت نظرة الرومانسيين الأوربيين للإلهام تلتقي مع نظرتهم الطبيعة فكلاهما هبة من الله .
بينهما يرى محيي الدين بن عربي أن الإلهام ظاهرة ممكنة الحدوث لأي إنسان بشروط هي:
1-إيمان هذا الإنسان بقدرة القوة الخارقة الله
2-كون الإنسان صافي الذهن
3- استعداده لإدراك لطائف المعرفة
و لكنه اي ابن عربي كافلاطون يرى أن الإلهام فيض يتلقاه الإنسان من خارج الذات .
و يعد ابن سينا حدسا أو إشراقا يتحصل في النفس فتدرك الموجودات و المعقولات بما تستفيده من العقل الفعال . وقد يكون الإلهام رؤيا ، بينما الحدس متفاوت بين الناس و لا يمكن التوصل للعقل الفعال إلا بالإتصال بالله و ملائكته ، و قد اعتبر ابن سينا الإلهام طريقة لتحصيل المعرفة من الغقل الفعال .
و ترى الإتجاهات الحديثة أن الشعر تعبير عن انفعال مستعاد بهدوء ، تظهر فيه غريزة إظهار النفس حد الظهور و هذه الغريزة الاجتماعية ناجمة عن الرغبة في التعاطف و التلذذ بإنشاء شيء جديد . فالشاعر كالطفل ينشأ لينفس عن وجدانه الرائد و هو أي الإلهام تألق و انجداب عند دولاكروا – قيليكس بينما يرى ديكارت –برغسون –أوستن و ارين أن الإلهام عملية تأمل لاشعوري ينتهي بالحدس .
ويبدو أن الفنان كما تزعم أدين ستويل يحتفظ روحيا و نفسيا برؤياه ، كما يحتفظ الطفل بمباهج الكون حين تبدو له . و يرى لامب أن الفنان يحلم في اليقظة بينما يرى بول فاليري أن الملهم تستلب إرادته فتنهال عليه الأفكار.
و إذا ما تجاوزنا لامب إلى بودلير فإنا نجد أن مبدأ الشعر عنده يعتمد على الطموح الإنساني إلى جمال سام يكمن بالحماسة و انخطاف الروح و هو أي الإلهام ، و عند بالدوين إشراف ذهني يأتي مما وراء الطبيعة و هذا يخالف ما قاله إذغار ألن بو من أن عملية الإلهام موجهة من الشعور . و يرى فرويد أن الإلهام حالة اللاشعور –السامي- بينما يعتبر تلميذه يونغ أن مصدر هذا الإلهام الإسقاط في اللاشعور الجمعي الذي يكون ضمن بيئة معينة و تلقى مفاهيم مختلفة . وقد تحدث أرسطو عن التطهير الذي تحدثه المأساة فينا ، و أشار إلى الإلهام . و لكن يبقى أن نقول إن الإلهام عملية معقدة لم يستطع الأدباء أو الشعراء و لا حتى علماء النفس ان يجدوا لها التفسير النهائي و ستبقى الىراء متضاربة و مختلفة حول ما هية الإلهام . فهو كالروح سر من اسرار الوجود يشع و لا نرى مصدر إشعاعه ، و يتحدث ولا نبصر فمه ، يسري في عروقنا و لا نلمسه بأيدينا ...
إن التفسير الخرافي الذي تبناه شعراء العرب سابقا يجعلنا نؤكد أن عملية الإلهام عملية معقدة ، و هذا ما جعلهم ينسبون الشعر لشياطينهم ، حتى إنهم جعلوا بعض هذه الشياطين ذكورا و بعضهم إناثا . وقد بقيت التفسيرات الأدبية لمصدر الإلهام غامضة حتى جاء فرويد و تبنى نظرية جديدة في تفسير عملية الإلهام . وما يميز نظرية فرويد هذه عن غيرها : أنه تزعم أن أفعالنا تحفزها قوى نفسية لا نعرف الكثير عنها و ان هذه القوى الغامضة لا نستطيع التحكم فيها ، إذ أن مركز الثقل في الحياة النفسية الإنسانية هو اللاشعور ولا يمكن لنا أن نعرف هذا "اللاشعور " إلا من خلال تأثير اللاحق في حياتنا و بعد فوات الأوان . فالعمليات الواعية تكون واعية لفترة قصيرة ترتد بعدها إلى دائرة اللاوعي و هو عالم محوط بالاسرار العميقة . و يميز فرويد بين نوعين من اللاوعي ، الاول يمكن تحويله بسهولة و شروط إنسانية إلى وعي . و الآخر يستحيل تحويله إلى وعي بمعجزة كبيرة .
وقد أفسح فرويد مجالا للواقع الجنسي في اللاوعي الإنساني ، و هذا ما أخذ عليه وقد رفض ذلك نلميذاه يونغ و ادلر وقد قسم فرويد المناطق النفسية إلى منطقة "الهو" وهي مركز الثقل في حياتنا النفسية و خزان الدافع الجنسي و منبع الطاقات الحيوية ، فيما يحكم هذه المنطقة مبذأ اللذة و إشباع الغريزة . و هذه المنطقة تعادي وتكره المنطق و لا تعرف القيم الإجتماعية ، و لا الضوابط الخلقية . تنطوي على دوافع متناقضة يمكن لها أن تتجاوز دون مشكلة غايتها في إرضاء الغرائز و هي مدمرة في نهاية المطاف . ولا تهتم بسلامة الذات و الآخرين.
و منطقة ال "أنا" تعتبر المنظم الأول لطاقات ال "هو " و الرقيب عليها ، تنظم الدوافع على نحو يسمح به الواقع و يرضى به المجتمع حيث تجنب الذات النهاية المدمرة ، فما يسمح به الواقع يلبى ، و ما لا يسمح به يدفع إلى أعماق ال " هو " و إذا كان عسيرا على ذلك تحول إلى عقد ، و يعتبر الجزء الكبير من منطقة ال " أنا " غير واع . ويسمى الجزء الواعي منه " العقل الواعي " و يسند على ال "أنا" دور الوسيط بين اللاوعي و العالم الخارجي ، و بين الرغبات غير المحدودة التي تقرها الظروف و الشروط الواقعية . و منطقة " الأنا الأعلى " هي المنظم الثاني لمنطقة ال "هو " و الحارس المتيقظ عليها و هو خزان المروءة و الاخلاق و الضمير ... وهي قوة هامة يستنجد بها المجتمع لحماية نفسه من النزوات و الرغبات و الغرائز المدمرة و التي لا يستطيع ال " أنا " وحده تدبيرها أو كبحها أو لجمها و يمارس عمله من خلال ال " أنا " أو مباشرة يقف أمام اندفاع اللاوعي عندما لا يقره المجتمع ، وينمو من خلال تربية الأسرة و المربين و هو محكوم بمبدأ الأخلاق و مبدأ الثواب و العقاب ، فإذا كان نشيطا أدى إلى الإحساس بالذنب.
هذا التقسيم الذي تبناه فرويد لاقى استحسانا من قبل الأدباء و دارسي الأدب و ساهم بشكل كبير في فهم الإبداع و رغم أن فرويد قال إنه مكتشف اللاوعي عند احتفاله بعيد ميلاده السبعين إلا أنه أشار إلى أن الشعراء و الفلاسفة هم مكتشفو اللاوعي و ما كشفه فرويد هو المنهج العلمي لدراسة اللاوعي . ذلك أن علم النفس كما يقول رينيه و بيليك و أوستن وارين في كتابهما "نظرية الأدب" ساهم في الكشف عن عملية الإبداع و في نبش خبايا نفس المبدع وفي الكشف عن غوامض العمل الأدبي.
وفي دراسة نفسية الكاتب يبدو أن العبقرية لدى الشاعر/الكاتب تقرن بالجنون عند الإغريق و تنسب إلى شياطين الشعر في وادي غبقر عند العرب ، و أصبحت حديثا تؤول بالمدى الممتد من العصاب إلى الذهان . فالشاعر رجل مجذوب عند البعض و الموهبة تعويض عن نقص عند الكاتب على مبدأ كل ذي عاهة جبار . فقد كان ابو حيان التوحيدي أعور و ابن سيدة اللغوي الأندلسي أعمى كذلك بشار بن برد و أبو العلاء المعري و ربيعة الرقي و عبد الله البردوني ... و كان بتهوفن أصما و كتيس قصيرا و بروست عصابيا و بايرون أعرجا و لوب اجذب ... فالكاتب عند فرويد عصابي عنيد يصون نفسه بواسطة العمل الادبي من الإنفجار و تثير نظرية الفن كعصاب التي تبناها الكثير من المفكرين مسألة علاقة المخيلة بالاعتقاد فالروئي يشبه الطفل الحالم الذي يحكي لنا الحكايات فيختلط عالم الواقع بتخيل من عالم آماله و ألامه ومخاوفه . و يرى أليون أن الفنان أكثر بدائية كما هو أكثر تحضرا من معاصريه ، و باعتبار أن الكاتب عضو في مجتمعه فهو أكثر الناس تمكنا من التغيير عن أحاسيسه رغم أنه ليس أكثر الناس إحساسا ، و يوفر الكتاب و الشعراء المادة الخصبة للمحلل النفسي لأن شخصيات أعمالهم تمثل نموذجا يمكن دراسته و الحكم عليه . إن أوست وارين يعتبر الشاعر حالم يقظة يحظى بقبول المجتمع ، و بدلا من أن يغير شخصيته ينمي خيالاته و ينشرها .
يقول فرويد : الفنان في الأصل رجل تحول عن الواقع لانه لم يستطع أن يتلاءم مع مطلب لذة الإشباع الغريزي ، فأطلق الفنان كامل رغباته الغرامية و مطامعه الذاتية في حياة الخيال ، ثم وجد طريقا للعودة من عالم الخيال إلى عالم الواقع و هو يصوغ نوعا آخر من الواقع / العمل الأدبي .
إن الأديب إنسان شفاف مشرق الروح و الفكر تتميز أعصابه بحساسية دقيقة تكتشف الواقع بكل أبعاده و معانيه ، و تتحسس الصعوبات التي تتجسد في حياة الآخرين سواء أكانت فكرية أم اجتماعية أم فلسفية و هو في الوقت نفسه يعشق الجمال و الكمال المطلق بفطرته التي وهبها الله إياه ، و باعتبار أن الصراع قائم بين ما هو واقع و بين طموح الإنسان لبلوغ الكمال المطلق فإن الأديب يرسم لنا صورة هذا الصراع و بفترض الحلول المشرقة لصورة الواقع المشوهة . فصورة المرأة في الواقع أقل مكانة من صورتها في الادب و كذلك صورة المعلم كاد المعلم أن يكون رسولا إذا لا يقبل الواقع على ما هو عليه لأن شكل الكمال المطلق الموجود خياله و فكره.
و تدعونا دراسة نفسية الكاتب إلى الكشف عن القوانين النفسية التي تحكم الشخصيات التي يرسمها هؤلاء الكتاب في أعمالهم ذلك أن الإنسان هو محور الأدب و هذا ما يدعونا في قراءتنا لأي نص أن نجد نموذجا للإنسان ما يحملنا على التفكير في الاسباب التي دعت هذا النموذج من الناس إلى التصرف على هذه الشاكلة أو تلك فدون كيشوط سيرفانتس قتل مجموعة من الأغنام و تصورها أعداء له ، و لما اكتشف أنها أغنام و ليست بشرا قال : الحمد لله الذي مسخ أعدائي أغناما و كذلك فعل الشاعر العربي الراعي النميري المصاب بلوثة في تفكيره مع كلب ظنا أنه لص ، و أوديب الذي تزوج أمه و قتل أباه و شهريار الذي كان مولعا بالزواج و القتل ، يتزوج كل ليلة امرأة و يقتلها في الصباح. و شخصيات قصائد نزار قباني من النساء ، لأن مأساة أخته بقيت ماثلة أمام عينيه.
و كثيرا ما يعكس الكاتب دوافعه على لسان شخصياته ، أو كثيرا ما تندفع الشخصيات بالحديث المختبئ في عمق وجدان الكاتب، ذلك لأن الكاتب عضو في مجتمع يستمد منه أفكاره و تؤثر فيه معطياته .
إن شخصيات قصة أرزاق يا دنيا أرزاق للكاتب السعودي علوي طه الصافي هي شخصيات من صميم المجتمع يحكمها دوافع نفسية راسبة في أعماقهم و لا وعيهم ، فأعظم شخصية في هذه القصة تحكمها ألام القهر و الصمت و الفقر و أكثر ما يبعث التناقض في حياة هذه الشخصية أن المغني يجمع الملايين بينما الملايين لا يجدون إلا أوراق الشجر طعاما لهم .و كذلك شخصية الزوج السكير في قصة شمس صغيرة لزكرياء تامر فهو حالم يقظة يتصور الخروف جنيا يمكن أن يقدم له جدارا من ذهب ، و يمكنه بذلك أن يحل مشكلة الفقر التي تسيطر عليه و تسير حياته . فهو رجل تحكمه ال هو بما فيها من رغبات و غرائز.
وبناء على ذلك يمكننا أن نجمل القول بأن علم النفس دخل في صميم الأدب و أصبح نهجا فعالا يساهم في الكشف عن جوانب العمل الأدبي ، و في نبش ذات الكاتب و توضيح اتجاهاته.



بالتوفيق للجميــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
 


Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement